تثير الاضطرابات في كازاخستان إمكانية حدوث أكبر تغييرات في نظامها السياسي منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، إذا استمرت الاحتجاجات وازداد حجمها ونطاقها. ورغم أن كازاخستان شهدت سابقًا احتجاجات على نطاق صغير، إلا أنها ظلت مستقرة حتى بعد تنحي الرئيس السابق، نور سلطان نزارباييف، عام 2019، والذي قاد البلاد منذ الحقبة السوفيتية. وقد صور خليفته، قاسم جومارت توكاييف، المحتجين على أنهم "إرهابيون مدعومون من قبل قوى أجنبية". وفي هذه المرحلة، من غير الواضح إذا كان لدى المتظاهرين القدرة على الإطاحة بنظام "توكاييف"، لكن حتى لو نجا فسيكون قد اهتزت صورته بشدة. وعلى عكس الاحتجاجات أو الانتفاضات الجماهيرية السابقة في كل من أرمينيا وبيلاروسيا وجورجيا وقيرغيزستان وأوكرانيا، تفتقر كازاخستان إلى زعيم معارضة محدد بوضوح أو كتلة معارضة، ما يعني أنه لا توجد حكومة محتملة على استعداد لتولي المسؤولية.
خارجيًا، ستظل روسيا صاحبة المصلحة الأكثر نشاطًا في كازاخستان، لكن التدخل يشكل مخاطر على الكرملين إذا كان يُنظر إليه على أنه يدعم نظامًا غير شعبي. واعتبارًا من السادس من كانون الثاني/ يناير، وبناءً على دعوة من الرئيس "توكاييف"، تقوم روسيا بنشر قوات حفظ سلام تحت رعاية "منظمة معاهدة الأمن الجماعي" التي تهيمن عليها موسكو "CSTO"، والتي تضم أيضًا كلًا من أرمينيا وبيلاروسيا وقيرغيزستان وطاجيكستان، وهو ما يبدو اعترافًا من "توكاييف" بأن قوات الأمن الكازاخستانية لا تستطيع استعادة النظام بنفسها.
كما يؤكد نشر تلك القوات من قبل روسيا و"منظمة معاهدة الأمن الجماعي" على مدى خطورة نظر الكرملين إلى الأزمة؛ حيث امتنعت المنظمة سابقًا عن التدخل في الأزمات السياسية الداخلية في قيرغيزستان وأرمينيا. من جهة أخرى، يشير طلب "توكاييف" إلى "منظمة معاهدة الأمن الجماعي" بدلًا من "منظمة شنغهاي للتعاون"، التي تهيمن عليها روسيا والصين "SCO"، إلى أن الحكومة الكازاخستانية تنظر إلى روسيا بدلًا من الصين باعتبارها الشريك الخارجي الأكثر أهمية، رغم حقيقة أن بكين لديها مصالح تجارية ضخمة وأن استثماراتها في كازاخستان على المحك.
وبغض النظر عن كل ذلك، فهناك مخاطر على روسيا جراء التدخل في كازاخستان؛ حيث إن تدهور الأمن هناك قد يصرف انتباه روسيا عن حشد القوات بالقرب من الحدود الشرقية لأوكرانيا، والذي يهدف إلى إجبار كييف وداعميها الغربيين على تقديم تنازلات أمنية كبيرة لموسكو، وهذا بدوره يمكن أن يضعف يد روسيا في المفاوضات مع الولايات المتحدة. وهنا على وجه الخصوص، ستضع روسيا في اعتبارها أي تهديدات تواجه عددًا كبيرًا من السكان من أصل روسي شمال كازاخستان. وقد تشعر بعض الشخصيات السياسية الكازاخستانية والغربية بالقلق من أن تسعى روسيا إلى دعم النزعة الانفصالية شمال كازاخستان، على غرار دعمها للروس شرق أوكرانيا منذ عام 2014.
على الجانب الآخر، فإن الصين أيضًا لديها مصالح كبيرة على المحك، نظرًا لموقع كازاخستان المركزي في "مبادرة الحزام والطريق" "BRI"، ولأن اهتمام بكين الرئيسي هو الاستقرار. يذكر أن كازاخستان تقع على طول أحد المكونات الأساسية لـ"مبادرة الحزام والطريق"، وهو الجسر البري الأوراسي، وأي تهديد طويل المدى للاستقرار هناك يمكن أن يعرض هذه الطرق للخطر، كما تعمل الصين أيضًا على تطوير احتياطيات الطاقة الرئيسية في كازاخستان. إضافةً إلى ذلك، هناك جالية عرقية صينية كبيرة في كازاخستان، وكذلك مجتمع صغير من الأويغور، وفي حالة زعزعة الاستقرار في كازاخستان فقد يؤدي ذلك إلى إضعاف حدودها، ما يسمح للانفصاليين الأويغور من مقاطعة شينجيانغ الصينية بالتنقل بين البلدين بحرية أكبر.
في ظل هذه الخلفية، يُتوقع أن تأمل الصين في أن تتمكن "منظمة معاهدة الأمن الجماعي" من استعادة الاستقرار في كازاخستان في أقرب وقت ممكن. ومع ذلك، وعلى المدى الطويل، يُرجّح أن ترغب بكين في إزاحة نفوذ موسكو في كازاخستان، لذلك ستراقب لترى إذا كان أي تعزيز للعلاقات بين روسيا وكازاخستان سيأتي على حسابها الخاص.
كذلك، ستراقب الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون كازاخستان عن كثب، ويمكن أن تصبح البلاد نقطة اشتعال جديدة في العلاقات بين الشرق والغرب، إذا وافق الغرب على المعارضة الكازاخستانية. كما تتمتع كازاخستان بأهمية جيوسياسية هائلة، نظرًا لحجمها الهائل وموقعها في قلب أوراسيا واحتياطياتها الهائلة من الطاقة؛ وأي اضطراب في صادرات الطاقة من كازاخستان يمكن أن يضع مزيدًا من الضغوط على أسواق الطاقة العالمية. إضافةً لذلك، فإن إدراج كازاخستان ومركزيتها في "مبادرة الحزام والطريق" منذ عام 2010 قد منحها أهمية أكبر.
ومنذ استقلالها عام 1991، اتخذت كازاخستان إجراءً حذِرًا لتحقيق التوازن الجيوسياسي بتجنب الاصطفاف الشامل مع روسيا أو الصين أو الغرب، وستسعى على الأرجح لمواصلة هذا التوازن. ورغم ذلك، إذا استنتجت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن نظام توكاييف/نور-أوتان محكوم عليه بالسقوط، فيمكنهما البدء في دعم المعارضة الكازاخستانية علانية، على أمل أن تقوم حكومة كازاخستانية جديدة بتشكيل علاقات أوثق مع الغرب على حساب روسيا والصين. وبالتالي يمكن أن تصبح كازاخستان مسرحًا لصراع آخر بالوكالة بين الغرب الداعمين للديمقراطية من ناحية، وبين روسيا و/أو الصين الداعمتين للنظام من ناحية أخرى، على غرار الأوضاع في أماكن متنوعة مثل بيلاروسيا وهونغ كونغ وميانمار وسوريا وفنزويلا.
فيتش سوليوشنز