بعد 500 يوم من التصدي للتأثير الاقتصادي المنهك الناتج عن غزو روسيا لأوكرانيا في شباط/ فبراير 2022، تعثّر الاقتصاد المصري؛ ففي حزيران/ يونيو الماضي سجل معدل التضخم السنوي في مصر رقمًا قياسيًا مقلقًا بلغ 36.8%، أي أكثر من ضعفين ونصف عن نسبة العام السابق التي بلغت 13.6%. وإذا استمر التضخم في الارتفاع بوتيرته الحالية، فإن مصر (أكبر دولة من حيث عدد السكان في الشرق الأوسط) ستدخل حالة من التضخم المفرط بحلول نهاية العام. وفي قلب الأزمة يكمن الأمن الغذائي الهش في مصر؛ حيث دفع التضخم القوي في البلاد إلى ارتفاع التضخم بشكل كبير في أسعار المواد الغذائية، لتصل إلى نسبة 64.9% في حزيران/ يونيو.
إن الحالة الهشة للأمن الغذائي في مصر تشكل تهديدًا وجوديًا لاستمرار اقتصاد البلاد ولحكومة "السيسي"، وإن كانت المساعدات الطارئة وموردو الحبوب قد ينقذون البلاد من السقوط في هاوية التضخم، إلا أن ذلك لن يساعدها على عكس مسارها. إن هروب مصر من مصيدة التهاوي الاقتصادي الدائم يكمن في تقليل وارداتها الغذائية من خلال توفير المزيد من غذائها؛ وإذا كان إنشاء بنية تحتية حكيمة لخلق إمدادات مياه إضافية لتوسيع الزراعة المحلية يعتبر رؤية واعدة، إلا أنه يأتي في الوقت الضائع. فالقاهرة في حاجة لسداد أو إعادة جدولة ديون بقيمة 20 مليار دولار على مدار الأشهر الـ12 القادمة، مع استخدام احتياطياتها الأجنبية المتناقصة لاستيراد الغذاء وإنفاق 4.14 مليار دولار على الإعانات لجعل هذا الغذاء المستورد في متناول السكان.
وبحسب ما تشير إليه مبادرة حبوب البحر الأسود، من المرجح أن تشهد الأشهر القادمة من الصراع الروسي الأوكراني تفاقمًا عميقًا لأزمة الغذاء العالمية، وليس لدى القاهرة الكثير من الوقت لتضيعه في تبني حلول التكنولوجيا الزراعية لتجنب حدوث تراجع فوري وكارثي في أمنها الغذائي. ولتوفير غذائها بنفسها، تحتاج مصر أيضًا إلى مواجهة تأثير تسارع ندرة المياه بسبب تغير المناخ؛ فالكفاءة في استخدام المياه من خلال التكنولوجيا الزراعية تعتبر أمرًا بالغ الأهمية لقدرة مصر على توسيع إنتاجها من الأغذية الزراعية على المدى القريب، ما يجعل دبلوماسية التكنولوجيا الزراعية فرصة فريدة للولايات المتحدة لإشراك القاهرة في شراكة استراتيجية ذات نتائج حيوية.
ميدل إيست إينيستيتيوت