تركيا ستظل مهددة بخطر الدخول في أزمة اقتصادية شاملة رغم اتباعها سياسيات غير تقليدية

تركيا ستظل مهددة بخطر الدخول في أزمة اقتصادية شاملة رغم اتباعها سياسيات غير تقليدية
الساعة : 11:00
20 ديسيمبر 2022

رغم التضخم المرتفع للغاية والسياسات النقدية غير التقليدية، تجنبت تركيا حتى الآن أزمة مالية شاملة، لكن تركيز حكومتها المستمر على النمو الاقتصادي في المدى القريب مع الاستدامة طويلة الأجل سيزيد من خطر دخول البلاد في تلك الأزمة خلال عام 2023. وعلى عكس البلدان الأخرى التي استجابت لتداعيات فترة ما بعد "COVID-19" والارتفاع في أسعار السلع الأساسية العالمية نتيجة الحرب الأوكرانية، من خلال تشديد سياساتها النقدية، اتبعت تركيا التيسير النقدي باللجوء إلى تدابير تقليدية وغير تقليدية لتقليل انخفاض الليرة، ما أدى لزيادة العبء المالي على الشركات ذات الديون بالعملات الأجنبية.

لكن في حين أن هذه الاستراتيجية غير التقليدية ساعدت الاقتصاد التركي على التوسع في الوقت الذي تواجه فيه معظم البلدان ركودًا، إلا أنها زادت أيضًا من تعرض البلاد لأزمة مالية، مع زيادة مؤشرات السوق لمخاطر التخلف عن السداد بشكل ملموس خلال العام الماضي. من ناحية أخرى، تتفق المؤسسة السياسية في تركيا حول دفع النمو السريع لتعزيز الدعم قبل انتخابات 2023، ما يُرجّح أن تستمر سياسات أنقرة الاقتصادية غير التقليدية وقد تتسارع خلال العام المقبل وربما لفترة أطول.

لكن تركيز هذه السياسة المحلية على الحفاظ على نمو مرتفع بغض النظر عن الأساسيات المهمة، إضافةً للتباطؤ الاقتصادي العالمي، يزيد من مخاطر عدم الاستقرار المالي في تركيا، التي قد تفرض ضوابط على رأس المال في الأشهر المقبلة لدعم الليرة الضعيفة، إما بشكل مباشر أو من خلال تعزيز ما يسمى بضوابط "الباب الخلفي"، التي تجعل من الصعب على المودعين سحب العملات الأجنبية. وقد تأخذ أنقرة الودائع بالدولار وتستخدمها لسداد العجز، لكن لا يزال من غير المحتمل أن تمنع الحكومة المواطنين الأتراك من إيداع النقد الأجنبي في حساباتهم المصرفية، ما قد يؤدي إلى إثارة رد فعل سياسي عنيف وزيادة الدولرة على المستوى المحلي.

أما على المستوى الخارجي، فقد تضغط أنقرة على كل من الإمارات والسعودية لمواصلة الاستثمار في تركيا، وربما إيداع ودائع مباشرة في البنوك التركية لتعزيز الليرة، حيث ستمكّن هذه التكتيكات أنقرة مؤقتًا من الاستمرار في خفض أسعار الفائدة وتعزيز الإنفاق الحكومي، إلا أن استمرار مثل هذه السياسات التوسعية يزيد بشكل مطرد من مخاطر دخول البلاد في أزمة ميزان المدفوعات والركود في نهاية المطاف. وسيكون هذا الخطر واضحًا إذا دخلت الأسواق التجارية الرئيسية في تركيا، كما حدث في أوروبا، في ركود عميق لدرجة التأثير على الصادرات بشكل كبير. وإذا تغيرت السياسة الخارجية في أبو ظبي أو الرياض بما يدفعهما لسحب استثماراتهما، فقد تدخل تركيا في أزمة مالية أكبر إذا تراجعت ظروف الاقتصاد الكلي العالمي، أو أدى مزيج السياسة الحالية للحكومة إلى عدم استقرار منهجي. وقد تعود الحكومة التركية إلى سياسات اقتصادية أكثر تقليدية واعتدالًا بعد انتخابات العام المقبل، لكن خطر حدوث ركود سيظل قائمًا؛ إذ إن تحسين الوضع الاقتصادي للبلاد على المدى الطويل سيكون على حساب نموها الأخير.

ستراتفور