لا شكّ أن الحرب في غزة تثير مخاطر عديدة على الاقتصاد المصري، ما قد يؤثر على قطاع السياحة ويغير أولويات الإنفاق الحكومي ويعطل إمدادات الطاقة ويسبب تأخيرات لوجستية. وبالتالي، فإن الشركات متعددة الجنسيات ينبغي أن تتوقع استمرار التباطؤ في الطلب الاستهلاكي خلال عام 2024، في ظل احتمال تدفق اللاجئين وارتفاع أسعار الطاقة بشكل كبير، ما سيؤدي لارتفاع معدلات التضخم. فمن جهتها، تتوقع شركة "فرونتير فيو" حدوث تراجع في انتعاش السياحة، في ظل انخفاض التدفقات الوافدة من "إسرائيل" وأمريكا وبعض دول أوروبا حتى الربع الثاني من عام 2024، ما سيؤثر على قطاع المستهلكين في مصر. وستشهد الشركات الصناعية اضطرابات متزايدة، بسبب تخفيف الأحمال وزيادة التكاليف وتباطؤ الجداول الزمنية للإنتاج، وبالتالي فعليها أن تستعد للاضطرابات اللوجستية.
من جهة أخرى، ستتفاقم أعمال العنف والأضرار بالقرب من معبر رفح الحدودي من غزة تجاه مصر، وهو ما سيهدد بامتداد الصراع وزعزعة الاستقرار في ظل تصاعد الغضب الشعبي. ومع استمرار "إسرائيل" في القصف العنيف على قطاع غزة وارتفاع عدد القتلى الفلسطينيين إلى أرقام غير محتملة، سيواجه صناع القرار السياسي في مصر عددًا من الخيارات الصعبة، وسيتعين عليهم تحديد موقف مصر الدبلوماسي في الأزمة، وتخصيص الموارد للأغراض الإنسانية، ومعالجة انقطاع إمدادات الطاقة في مصر، والتعامل مع عدم الاستقرار الإقليمي المتزايد، وربما استضافة عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين.
على الجانب الاقتصادي، جرى تعليق عمليات الإنتاج بحقل غاز "تمار" "الإسرائيلي" إلى أجل غير مسمى، وهو مصدر رئيسي للصادرات إلى مصر، كما انخفضت الإمدادات من "إسرائيل" بنسبة 20% منذ بداية الحرب. وتمت إعادة توجيه صادرات الغاز من حقل "ليفياثان" عبر الأردن، لكن إجمالي الإمدادات انخفض في ظل إعطاء "إسرائيل" الأولوية للاستهلاك المحلي. هذا رغم أن الحكومة المصرية كانت تأمل في زيادة واردات الغاز "الإسرائيلي" بأكثر من 30% اعتبارًا من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، مستفيدةً من الانخفاض الموسمي في الطلب المحلي في "إسرائيل"؛ حيث أعلنت وزارة الطاقة "الإسرائيلية" في آب/ أغسطس الماضي عن زيادة كبيرة في صادرات الغاز الطبيعي إلى مصر من حقل "تمار".
بناءً على ذلك، فإن ارتفاع فاتورة الواردات المصرية في ظل سعيها لتعويض الإمدادات المفقودة من حقل غاز "تمار"، من شأنه أن يزيد الضغط على ميزان المدفوعات المصري المتوتر بالفعل. علاوةً على ذلك، من المرجح أن يؤدي الصراع المتصاعد إلى زيادة الإنفاق العام الإجمالي؛ حيث تقوم الحكومة بتوفير المساعدات وإجراء استعدادات أخرى لاستيعاب الفلسطينيين ودعمهم، وهو ما سيؤدي إلى تضخيم إجمالي النفقات التشغيلية على حساب النفقات الرأسمالية.
ورغم أن هذا لا يزال غير مرجح في الوقت الحالي، إلا أن أي تصعيدًا إضافيًا كبيرًا للصراع يمكن أن يؤدي إلى زيادة في الأسعار العالمية للمواد الغذائية والطاقة والسلع الأخرى. وهذا سيؤدي على الأرجح إلى تضخيم فاتورة الواردات المصرية، ما سيفرض ضغوطًا إضافية كبيرة على احتياطيات مصر ويتسبب في انخفاض أعمق من المتوقع في قيمة العملة عام 2024.
فرونتيير ڤيو