من المرجّح أن يستمر القتال في المدن الرئيسية في السودان، لكنه قد ستوقف مؤقتاً خلال الأيام المقبلة بما يسمح بإجلاء الرعايا الأجانب؛ فلا يزال الوضع في الخرطوم وأم درمان ومدن أخرى في البلاد متقلّبًا وسريع التطور. لكن بعض التقارير تشير إلى أن القوات المسلحة السودانية قد استعادت السيطرة على المطارات في العاصمة الخرطوم ومدينة مروي الشمالية، إلا أن نيران المدفعية والغارات الجوية لا زالت تحجب الصورة الحقيقية لما يجري على الأرض وأي الطرفين هو المتقدم.
ورغم أنه لا توجد مؤشرات على قيام الحكومة أو قوات الدعم السريع بتعطيل الإنترنت أو الاتصالات، إلا أن تدهور هذه الخدمات بسبب القصف وتدمير البنية التحتية يحدّ بشكل كبير من تداول المعلومات. وقد دفع هذا الأمر الحكومات الأجنبية والمنظمات الإنسانية للاستعداد للعديد من السيناريوهات المحتملة في الأيام والأسابيع المقبلة، رغم بقاء معظم المواطنين الأجانب والعاملين في المجال الإنساني محصورين في العاصمة في ظل تناقص سريع للأغذية والمياه والإمدادات الطبية. ويبدو أن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو استمرار حرب الشوارع، وإن كان الضغط المتزايد من قبل الولايات المتحدة والسعودية وغيرهما قد يؤدي لتهدئة قصيرة لإجلاء الرعايا. ووفقًا لهذا السيناريو، قد يتطور القتال خلال الأيام والأسابيع المقبلة، لكن قد توافق القوات المسلحة السودانية أو قوات الدعم السريع (أو كلاهما) على وقف لإطلاق النار بشكل مؤقت، لكن القتال المتقطع سيستمر في المراكز الحضرية.
بالمقابل، تشكل المعارضة والانقسامات داخل الجيش قيودًا رئيسية، حتى على الهدنة المؤقتة لتوفير الإمدادات الإنسانية والرعاية الطبية للمدنيين في مناطق القتال؛ حيث يدعو المتشددون في القوات المسلحة، بمن فيهم "البرهان" نفسه، إلى تحقيق نصر كامل على قوات الدعم السريع. ومع ذلك، ونظرًا لمشاركة فصائل عديدة في القتال والاستعداد الواضح لقوات الدعم السريع لمهاجمة الوحدات الأجنبية، فإن الخطر على العاملين في المجال الإنساني خلال طريقهم إلى مواقع الإجلاء سيظل مرتفعًا، لا سيما في مناطق مثل دارفور. كما إن الحسابات والمعلومات الخاطئة والرغبة في السيطرة عند استئناف القتال، كل ذلك قد يؤدي أيضًا إلى تعطيل فترات الإخلاء قبل نهايتها الرسمية.
ستراتفور
إن الصراع الذي اندلع في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع منتصف نيسان/ أبريل الجاري، يمكن أن يقلب المصالح الاستراتيجية الإقليمية لمصر، لا سيما فيما يتعلق بملف "سد النهضة" ؛ حيث تستعد إثيوبيا الآن للمرحلة الرابعة من مراحل ملء الخزان، رغم عدم وجود اتفاق ثلاثي حول كيفية تنظيم وإدارة تدفق النيل إلى مصر والسودان. ومن المتوقع أن يقوّض هذا الصراع جهود مصر لإنشاء جبهة موحدة مع السودان بشأن قضية السد، وهي جبهة ملحة بالنسبة لمصر وغالبًا ما تصنفها حكومتها على أنها مصيرية.
على صعيد آخر، مصر ليست جزءًا من مجموعة البلدان الأربعة التي تشرف على العملية التي وافقت عليها الأمم المتحدة للتسوية السياسية في السودان، والتي تشمل كلًا من المملكة المتحدة والولايات المتحدة والسعودية والإمارات، لكنها دعمت تحركات "البرهان" لجلب ممثلين مدنيين إلى الإدارة السودانية، بما في ذلك الجماعات المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، رغم معارضة النظام في مصر للجماعة محليًا؛ حيث يرى أن فرع السودان أكثر اعتدالًا في طبيعته.
على النقيض من ذلك، يعتبر "حميدتي" جماعة الإخوان وحتى "البرهان" مؤخرًا كتهديد إسلامي، الأمر الذي يتردد صداه في الإمارات والسعودية؛ حيث يتمتع "حميدتي" بعلاقات وطيدة مع الدولتين بعد أن دعم حملتهما العسكرية في اليمن. ورغم أن هذه القوى الخارجية ستحْجِم عن التدخل في الصراع بشكل مباشر، إلا أن مصر ستستفيد أكثر من الحفاظ السياسي على "البرهان"؛ حيث سيثير الصراع خطر انهيار محادثات "سد النهضة" بالكامل، إذ لا يوجد أساس للمفاوضات دون السودان. وإذا طال أمد الصراع في السودان، وهو ما يبدو مرجحًا، فسوف يزداد خطر تحول مصر لأن تكون أكثر عدوانية عسكريًا في المنطقة (تجاه إثيوبيا)، في ظل تراجع بدائل العمل أحادي الجانب بشأن "سد النهضة".
إيكونوميست إنتيليجنس يونيت
وصل وفد سعودي في الثامن من نيسان/ أبريل الجاري برفقة وسطاء عمانيين إلى العاصمة اليمنية صنعاء، لبدء مفاوضات مباشرة مع جماعة الحوثي المدعومة من إيران، وذلك بعد اتفاق السعودية وإيران منتصف آذار/ مارس الماضي على استعادة علاقاتهما الدبلوماسية، ما أتاح تحقيق اختراق في مفاوضات القنوات الخلفية الجارية بين السعودية والحوثيين.
ورغم أن الحوثيين لديهم استقلال أكبر من الوكلاء الإيرانيين الآخرين، إلا أنه من المرجح أن تتبع قيادتهم التوجيهات الإيرانية، لا سيما إذا أوقفت إيران مبيعات الأسلحة إليهم وتمت تلبية مطالبهم الرئيسية. وإبداءً لحسن النية من طرفها، رفعت السعودية قيودها على الاستيراد عن الموانئ الجنوبية لليمن، ما سمح للسفن التجارية أن ترسو في الموانئ اليمنية دون إذن مسبق، بعد تخفيف القيود على ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون.
بناءً على ما سبق، من المتوقع أن يتم التوصل لاتفاق يتضمن إعادة فتح المطارات والموانئ اليمنية وتخفيف الضغوط الاقتصادية، لكن التفاصيل الكاملة لاتفاق سلام محتمل لم تظهر بعد، ولا يزال غير واضح إذا كان الاتفاق سيقتصر على الصراع السعودي-الحوثي، أم سيشمل هدنة بين الحوثيين وقوات الشرعية والقوات المدعومة من الإمارات، مثل "لواء العمالقة" و"المجلس الانتقالي الجنوبي". فقد اشتبكت قوات الحوثي بشدة مع كل من "الانتقالي الجنوبي" والجماعات المدعومة من الإمارات خلال الأسابيع الأخيرة، وبالتالي فإن أي اتفاق قد تتنتج عنه موجة جديدة من العنف، لأنه سيمكّن الحوثيين من إعادة تجميع صفوفهم.
ورغم أنه من المتوقع أن تضغط السعودية للحصول على ضمانات من الحوثيين لوقف الهجمات البرية، إلا أنه من المرجح أن يجدد الحوثيون حملتهم العسكرية محاولين الاستيلاء على محافظتي مأرب وشبوة الغنيتين بالنفط، خصوصًا وأن هذه الجبهة تفتقر إلى الدعم الجوي السعودي، لكن من المتوقع أن يقف "لواء العمالقة" القوي وقوات "المجلس الانتقالي الجنوبي" على خط المواجهة ضد توغل الحوثيين في شبوة. كما يُتوقع من السعودية والحوثيين إبرام اتفاق سلام، والذي إن تمّ دون إشراك القوات المحلية المناهضة للحوثيين، فمن المحتمل أن يؤدي لتصاعد وتيرة الحرب الأهلية عام 2023. ومن المرجح أيضًا أن تواصل الجماعات المدعومة من الإمارات وقوات الحكومة الشرعية الاشتباك فيما بينهما، للسيطرة على المحافظات الجنوبية مثل شبوة وحضرموت، ما سيؤدي لاستمرار الحرب الأهلية في اليمن خلال الأعوام الأربعة القادمة.
إيكونوميست إنتيليجنس يونيت
اعتقلت الشرطة التونسية في الـ17 من نيسان/ أبريل الجاري زعيم "حزب النهضة"، راشد الغنوشي، بتهمة التحريض، بينما أشارت أنباء إلى أنه قُبض عليه بسبب تصريحات أدلى بها في الـ15 من الشهر ذاته، ذكر فيها أن البلاد ستكون أكثر عرضة لمواجهة حرب أهلية إذا حاولت الحكومة تقويض المعارضة الديمقراطية للرئيس "قيس سعيد". بعد ذلك، أغلقت السلطات المقر الرئيسي لـ"حزب النهضة" وأمرت بإغلاق مكاتب الحزب في جميع أنحاء البلاد وحظرت على أعضائه عقد اجتماعات في مقراته.
إن الإقدام على خطوة إغلاق مكاتب "حزب النهضة" ربما يكون محاولة من النظام التونسي لإضعاف قدرة المعارضة على التعبئة، وتقليل تأثير الاحتجاجات الناتجة عن دوافع اقتصادية في حال فشل في الحصول على دعم صندوق النقد الدولي. ففي السابع من الشهر الجاري، رفض الرئيس التونسي الشروط المطلوبة لتلقي حزمة إنقاذ بقيمة 1.9 مليار دولار أمريكي من الصندوق، والتي وصفها بـ"الإملاءات الأجنبية".
إن رفض شروط القرض المقترحة ورفض "سعيد" في الوقت ذاته تقديم خطة بديلة واضحة للتخفيف من التحديات الاقتصادية في تونس، سيُزيدان على الأرجح من خطر الاحتجاجات المناهضة لـ"سعيد" والمدفوعة أساسًا بدوافع اقتصادية. بالمقابل، يُرجح أن يواجه النظام ذلك بحملات اعتقال تستهدف المتظاهرين والنشطاء ووسائل التواصل الاجتماعي وشخصيات المعارضة، وإغلاق محتمل لمكاتب أحزاب المعارضة. وإن كان "الغنوشي" شخصية سياسية غير شعبية في تونس ولا يُرجح أن يؤدي اعتقاله إلى احتشاد أعداد كبيرة من المتظاهرين في المدن الرئيسية في البلاد، إلا أن هذا سيتغير على الأرجح إذا حاولت الحكومة تقليص نشاط "الاتحاد العام التونسي للشغل". من جهته، سيبرر "سعيد" تلك الاعتقالات مدعيًا أن المعتقلين متورطون في الفساد، أو أنهم جزء من مؤامرة لزعزعة استقرار البلاد.
من ناحية أخرى، فإن تضييق الخناق على المعارضة سيزيد من مخاطر تأخير مدفوعات صندوق النقد الدولي، وبحسب ما أشارت الأنباء بشكل منتظم خلال العام الماضي، فإن تونس تواجهه ضغوطًا اقتصادية شديدة ومستمرة، وإنها تعتمد بشكل كبير على مدفوعات الأموال الجديدة من صندوق النقد الدولي والمقرضين الآخرين. ومع ذلك، فإذا كانت الولايات المتحدة والدول الأخرى التي سيساهم دعمها في موافقة صندوق النقد الدولي، ترى أن النظام يفرض حملة قمع على معارضيه وعلى العملية الديمقراطية، فمن المرجح أن يعرقل ذلك الإفراج عن أموال جديدة، ما سيزيد من خطر تنامي نقص الواردات واحتمال التخلف عن سداد الديون.
آي إتش إس ماركت
أعلن ولي عهد الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، حل مجلس الأمة الحالي (مجلس النواب) الذي انتُخب عام 2020، وأعيد مؤخرًا بعد أن ألغت المحكمة الدستورية انتخابات عام 2022 والبرلمان اللاحق، ومن ثمّ دعا لإجراء انتخابات جديدة في الأشهر المقبلة. ومن المتوقع إجراء الانتخابات بحلول نهاية الربع الثاني من هذا العام، وهو ما سيُزيل بعض الغموض بشأن مسار السياسة الكويتية، لكن مع استمرار الفراغ في عملية صنع القرار على المدى القصير. كما إن قرار إجراء انتخابات جديدة سيساعد في احتواء الفوضى السياسية في البلاد، بعد حكم المحكمة الدستورية في آذار/ مارس. من ناحيتها، لا ترغب السلطة التنفيذية في عودة برلمان 2022، التي دفعتها الاشتباكات معه إلى الاستقالة في كانون الثاني/ يناير الماضي، وأطلق رئيس الوزراء المعاد تعيينه، أحمد نواف الأحمد الصباح، حكومة جديدة مؤخرًا.
رغم ذلك، من المتوقع أن تحصل المعارضة مرة أخرى على أغلبية المقاعد في الانتخابات المقبلة، ما سيزيد من التوتر بين السلطتين التنفيذية والتشريعية خلال الأعوام القادمة. فقد لاقت إعادة برلمان 2020 رفضًا على نطاق واسع، نظرًا لافتقاره إلى الشرعية الشعبية بعد رفض أعضائه بشكل شامل في انتخابات أيلول/ سبتمبر، والتي شهدت تغيير 27 من أصل 50 مقعدًا، معظمها لصالح المعارضة. وفي الوقت نفسه، فإن الطعن على حكم المحكمة كان سيخلق أزمة دستورية خطيرة، ما يزيد من الاستقطاب في المشهد السياسي المتوتر بالفعل في البلاد.
وفي خطاب متلفز، قال "الشيخ مشعل" إن "إصلاحات قانونية وسياسية" ستسبق الانتخابات، ما يعني ضمنًا استعدادًا محتملًا للتنازل عن مطالب البرلمانيين المتزايدة لتشكيل لجنة انتخابية مستقلة، وهي دعوة تم رفضها حتى الآن لتقييد حقوق الحاكم في تحديد توقيت وشكل الانتخابات، ومن هنا فمن المرجح أن تهيمن الاشتباكات حول الهيئة ومدى سلطاتها على الجدل السياسي في الأسابيع المقبلة.
ومن المحتمل إجراء الانتخابات بحلول حزيران/ يونيو 2023، رغم أن الخلافات حول الإشراف على الانتخابات قد تتسبب في بعض التأخير. كما يُتوقع أن تسفر الانتخابات المقبلة عن فوز جديد للمعارضة، وربما حتى زيادة عدد مقاعدهم البالغ 33 مقعدًا التي تم حصدها في سباق أيلول/ سبتمبر 2022. وسيستمر الاحتكاك المزمن والمرير بشكل متزايد بين البرلمان والحكومة في إعاقة صنع السياسات طوال الفترة من 2023-2027، ما سيترك الكويت متخلفة أكثر عن أقرانها الخليجيين الأثرياء في التنمية الاقتصادية والخدمات العامة الأساسية، كما سيحول دون إجراء إصلاحات اقتصادية ومالية جذرية ستكون ملحة في ظل تراجع أسعار النفط.
إيكونوميست إنتيليجنس يونيت