ثلاثة قضايا ستحدد مستقبل المشروع النووي الإيراني

الساعة : 14:46
19 يونيو 2025
ثلاثة قضايا ستحدد مستقبل المشروع النووي الإيراني

المصدر: سي إس آي إس

ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات

ما زالت الضربات "الإسرائيلية" على منشأة "فوردو" النووية الإيرانية محدودة، وهو ما قد يبدو إغفالًا غريبًا، نظرًا لأن مبرر "إسرائيل" للضربات كان: "إذا لم تتوقف إيران فيمكنها إنتاج سلاح نووي في وقت قصير جدًا... قد يستغرق الأمر عامًا أو بضعة أشهر". وطالما اعتُبرت "فوردو" مكونًا أساسيًا في المصفوفة النووية الإيرانية كموقع لتخصيب اليورانيوم إلى 60%، وهو ما يتجاوز بكثير مستوى الأغراض المدنية. وقد تكون الهجمات الأخرى على المنشأة، بدعم محتمل من الولايات المتحدة، وشيكة، لكن نجاح هذه الهجمات ليس سوى أحد العوامل العديدة التي ستحدد الوضع النووي لإيران في المستقبل.

وقد أشار وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، مؤخرًا إلى أن إيران ستكون على استعداد للعودة إلى المحادثات النووية (لم تغادر إيران طاولة المفاوضات أبدًا)، مشيرًا إلى أن إدارة "ترامب" ما زالت تسعى للحوار، لكن مسار التوصل لحل بخصوص البرنامج النووي الإيراني يبدو قاتمًا. وقد كان مدار الخلاف في المفاوضات السابقة يتمحور حول إذا كان بإمكان إيران مواصلة تخصيب اليورانيوم أم لا، ويبدو أنه من غير المرجح أن تُغيّر الأزمة الحالية آراء كلا الجانبين بشأن هذه القضية الحاسمة؛ بل قد تدفعهما إلى مزيد من التشدد في مواقفهما.

وفيما يلي القضايا الثلاث التي ستحدد مستقبل المشروع النووي الإيراني:

1-     وضع منشأة "فوردو" النووية

يُعتقد أن "فوردو" هي المنشأة المركزية في الأنشطة النووية الإيرانية، وهي مدفونة في أعماق الأرض في جبل على عمق 80-110 أمتار تحت الأرض، بالقرب من قم، وقد بُنيت لتحمل الغارات الجوية، ووظيفتها الأساسية تخصيب اليورانيوم باستخدام ست سلاسل من أجهزة الطرد المركزي القديمة "IR-1"، إلى جانب عشر سلاسل من أجهزة الطرد المركزي الأكثر تقدمًا "IR-6". وبموجب "خطة العمل الشاملة المشتركة" لعام 2015، مُنعت إيران من التخصيب في "فوردو"، لكنها استأنفت أنشطة التخصيب هناك عام 2018، بعد انسحاب الولايات المتحدة، وكانت تنتج اليورانيوم المخصب بنسبة 60%.

وبالتالي، فإن وضع "فوردو" في الوقت الحاضر أو ​​بعد أي ضربات أخرى، سيكون أمرًا بالغ الأهمية لمستقبل إيران النووي؛ حيث يُعتقد أنها المنشأة التي يمكن أن تزيد التخصيب من 60% إلى 90% لليورانيوم الصالح للاستخدام في الأسلحة. وما يثير القلق بصورة أكبر أنه في آذار/ مارس 2023 جمعت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عينات من "فوردو"، ووجدت أن اليورانيوم مخصب بنسبة 83.7%، لكن لم يتم تأكيد ذلك. ومن دواعي القلق أيضّا أن "فوردو" قد تكون أحد المواقع التي تخزن فيها إيران اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، أو المكان الذي يمكن نقل المخزون إليه، إذ يُعتقد أن بعض مخزون إيران مُخزن في أصفهان، لكن الوكالة الدولية لم تكشف عن موقعه بالكامل.

كما يُعتقد أن "إسرائيل" ستحتاج إما إلى دعم أمريكي لتدمير المنشأة أو إلى غارات جوية متكررة، وقد يشمل الدعم الأمريكي قنبلة "GBU-57" الخارقة للذخائر الضخمة، وهي قنبلة تزن 30 ألف رطل (13.6 طن) تحملها قاذفات "B-2". وقد تحاول "إسرائيل" تدمير المنشأة بجولات متعددة من أسلحة الحمولة الأصغر، لكن لا يضمن أي من هذين الخيارين إمكانية تدمير "فوردو"، الأمر الذي قد يتطلب ذخائر أقوى أو ضربات مستمرة. إضافةً إلى ذلك، قد تلجأ "إسرائيل" إلى أساليب غير تقليدية لمحاولة تدمير المنشأة؛ مثل الهجمات الإلكترونية، على غرار هجمات ستوكسنت عام 2010، أو وسائل تخريبية أخرى.

والخلاصة، إن استمرار إيران في برنامجها النووي يعتمد على ما تبقى من مشروعها السابق، نظرًا لتدمير "نطنز"، وفقًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإلحاق أضرار بمنشآت أخرى، بما في ذلك "أصفهان" و"آراك"، ومن هنا، فإن وضع "فوردو"، الذي يُرجح أن يُحسم في الأيام والأسابيع المقبلة، سيكون حاسمًا.

2-     انسحاب إيران من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية

قبل يوم واحد من الضربات "الإسرائيلية" على المنشآت النووية الإيرانية، وجدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران انتهكت المعاهدة لأول مرة منذ عام 2005، وشملت المخاوف وجود آثار يورانيوم في مواقع غير معلنة. ووفقًا للوكالة، فقد خزّنت إيران أكثر من 400 كلجم من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%. ووفقًا لقائد القيادة المركزية الأمريكية، للجنرال مايكل كوريلا، "تُشير التقديرات إلى أن المخزونات الحالية وأجهزة الطرد المركزي المتاحة في العديد من محطات التخصيب، كافية لإنتاج أول 25 كلجم من المواد الصالحة للاستخدام في صنع الأسلحة في غضون أسبوع واحد تقريبًا، وتكفي لإنتاج ما يصل إلى عشرة أسلحة نووية في غضون ثلاثة أسابيع".

بدورهما، قابلت وزارة الخارجية ومنظمة الطاقة الذرية الإيرانيتين هذه النتائج بتحدٍّ، زاعمتين أن الوكالة الدولية تفتقر إلى أي أساس قانوني، وقالتا إن إيران ستبني منشآت جديدة أكثر أمانًا وستُدخل أجهزة طرد مركزي متطورة من الجيل السادس في "فوردو". وقد تزامنت نتائج الوكالة الدولية مع الموعد النهائي الذي حدده الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، للتوصل لاتفاق في المحادثات النووية الجارية، ما يشير إلى أن الأنشطة النووية الإيرانية ستستمر دون رادع.

إن السلاح النووي يتطلب مواد انشطارية، مثل اليورانيوم عالي التخصيب، الذي لم تكن إيران تطوره فحسب، بل كانت تخزنه أيضًا لمزيد من التخصيب. كما يتطلب وسيلة إيصال، كصاروخ باليستي مثل "شهاب-3"، الذي يعتمد على تصميم كوري شمالي، أو صواريخ "كروز"، مثل "سومار" المشتق من صاروخ "Kh-55" الروسي مزدوج القدرة. والعامل الأخير هو المعرفة، بما في ذلك التسليح وتحويل المواد الانشطارية إلى قنبلة، إلى جانب ربط رأس حربي بمركبة التوصيل.

وهناك أدلة كثيرة على أن إيران كانت تعمل على تطوير تكنولوجيا التسليح، مثل مُحفِّزات النيوترون واختبارات ضغط المواد شديدة الانفجار، حتى عام 2003. لكن الأمر الأقل تحديدًا هو إذا كانت إيران قد واصلت هذه الأنشطة أم لا، وإذا كانت أبحاثها حتى عام 2003 كافيةً للتسليح لاحقًا. من جهتهم، يُقدِّر بعض المحللين، مثل مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، أن بعض هذه القدرات "جاهزة على الأرجح".

من ناحية أخرى، أفادت تقارير بأن البرلمان الإيراني يُعِدّ مشروع قانون للانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، والذي يتطلب إشعارًا قبل 90 يومًا، ويمكن اللجوء إليه بموجب المادة العاشرة من المعاهدة ردًا على "أحداث استثنائية". وصرح متحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية: "في ضوء التطورات الأخيرة، سنتخذ القرار المناسب. على الحكومة إنفاذ مشاريع قوانين البرلمان، لكن هذا الاقتراح قيد الإعداد فقط، وسنُنسِّق مع البرلمان في المراحل اللاحقة". إن انسحاب إيران من المعاهدة سيمثل خطوة حاسمة وقاطعة نحو مواصلة برنامجها للأسلحة النووية، على عكس موقفها السابق المتمثل في التحوط بموجب فتوى "الخميني" التي تحظر إنتاج وتخزين واستخدام الأسلحة النووية، والتي فسرها عديد من الخبراء على أنها لا رجعة فيها حتى لو تغيرت الظروف الأمنية لإيران.

كما إن انسحاب إيران من المعاهدة سيُمثل ضربة موجعة للنظام النووي العالمي ومعايير منع الانتشار؛ حيث تُمثل المعاهدة أساس النظام النووي الذي يواجه بالفعل إحدى أكبر أزماته منذ عقود. فالمعاهدة ترتكز على "صفقة كبرى"؛ تمتنع فيها غالبية الدول عن السعي وراء برامج الأسلحة النووية، وبالمقابل تتخذ الدول الخمس الحائزة للأسلحة النووية (الصين، فرنسا، روسيا، المملكة المتحدة، والولايات المتحدة)، خطوات نحو "نزع السلاح العام والكامل"، وتوفير الوصول إلى التكنولوجيا النووية للاستخدامات السلمية.

وقد شكّل البرنامج النووي الإيراني تحديات عديدة لمعاهدة حظر الانتشار النووي؛ حيث أصرت طهران على حقها في التخصيب للأغراض السلمية، لكنها انخرطت في أنشطة ذات آثار عسكرية واضحة. وبالتالي، فإن انسحابها قد يؤدي إلى سلسلة من الانتشار النووي وإنهاء علاقتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو ما حدده الخبيران النوويان، جيمي كوونغ ونيكول جرايوسكي، في تحليل حديث حول مخاطر انسحاب إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي.

3-     موقف أصدقاء إيران وخطره على النظام النووي العالمي

خلص تقرير مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الصادر في الـ12 من حزيران/ يونيو الجاري، إلى أن إيران انتهكت التزاماتها بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي؛ لكن ثلاث دول صوّتت ضد هذا الاستنتاج، منها روسيا والصين. وفي كانون الثاني/ يناير الماضي، وقّعت كل من إيران وروسيا معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بينهما، فيما أشار تقرير استخباراتي صدر عام 2022 إلى أن إيران كانت تطلب المساعدة من روسيا في برنامجها النووي، وتحديدًا في الحصول على مواد نووية إضافية قد تُقصّر فترة التجاوز لصنع سلاح نووي. كما خلص تقرير صدر في كانون الثاني/ يناير 2025 إلى أن إيران كانت تُصنّع صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية، باستخدام تصاميم قدّمتها كوريا الشمالية.

بناءً على ذلك، سيُساهم رد فعل موسكو وبكين، تقنيًا وسياسيًا، في تشكيل مستقبل البرنامج النووي الإيراني بشكل خاص؛ فمن الناحية التقنية قد تُقدمان المساعدة إذا قررت طهران إعادة بناء مشروعها النووي عقب الضربات "الإسرائيلية". وطالما قدّمت الصين وروسيا التدريب والدعم للخبراء النوويين الإيرانيين؛ حيث وفّرت الصين مفاعلات صغيرة في التسعينيات، وأكملت روسيا مفاعل "بوشهر" الإيراني وزوّدته بالوقود. وبالنظر إلى حجم البرنامج النووي الإيراني ونتائج الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن هذا الدعم سيُخالف النظام الدولي لمنع الانتشار، ويضع محور روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية في خلاف مع المجتمع الدولي الأوسع الذي ما زال يُعارض الانتشار النووي.

لكن بالمقابل، قد تتجه كل من موسكو وبكين لتوفير غطاء سياسي ودبلوماسي لطموحات إيران النووية، على غرار تصويتهما ضد نتائج مجلس محافظي الوكالة الدولية. ومن المعلوم أن النظام النووي العالمي، بما في ذلك معاهدة حظر الانتشار النووي، يعمل على أساس توافق الآراء، لذلك، وبناءً على حق النقض "الفيتو" الذي تتمتعان به في مجلس الأمن الدولي، يُمكن لروسيا والصين عرقلة محاولات ممارسة ضغط دبلوماسي متعدد الأطراف على طهران. وقد شددت ردود الفعل من موسكو وبكين حتى الآن إلى حد كبير على الحاجة لخفض التصعيد في الصراع، لكن إذا استمرت الضربات "الإسرائيلية" وتغير موقف "ترامب" بتقديم الدعم الأمريكي، فقد تصبح المنطقة مسرحًا لمواجهة بين القوى العظمى.