أعلنت القوات المسلحة السودانية في الـ31 من أيار/ مايو الماضي الانسحاب من محادثات وقف إطلاق النار مع قوات الدعم السريع، التي عقدت في جدة بوساطة أمريكية سعودية، مستنكرةً عدم التزام قوات الدعم السريع بوقف إطلاق النار من خلال الانتهاكات المتكررة للاتفاقات السابقة. وقد جاء هذا الانسحاب من قبل القوات المسلحة على الأرجح لتأمين السيطرة على الأراضي، لا سيما في العاصمة الخرطوم، التي تتقدم فيها قوات الدعم السريع حاليًا. وقد يكون الانسحاب من المفاوضات أيضًا محاولة من القوات المسلحة لإعادة تنظيم قواتها، والتحضير لهجوم لاستعادة السيطرة على العاصمة التي يقع بها مقرها الرئيسي. رغم ذلك، من المرجح أن تعود القوات المسلحة إلى المفاوضات لاحقًا، بغض النظر عن نتيجة الهجوم المستقبلي ضد قوات الدعم السريع، لأسباب عديدة على رأسها الحصول على دعم دولي فوري عبر المساعدات الإنسانية، والدعم المالي على المدى الطويل.
على الأرض، تسعى القوات المسلحة لزيادة قدراتها من خلال استدعاء قوات الشرطة والعسكريين المتقاعدين، كما قامت بتجنيد عناصر جديدة لا سيما من الشرطة الاحتياطية المركزية (قوة قتالية مدربة قوامها حوالي 80000 فرد). بالمقابل، ورغم النقص في الطائرات لدى قوات الدعم السريع، إلا أنها تستفيد بشكل عام من الخبرة العملية الطويلة التي اكتسبتها في النزاعات السابقة لا سيما في منطقة دارفور، إضافةً إلى اليمن وليبيا. لكن وسط هذا القتال الدائر، أفادت مصادر سودانية عدة بوجود معارضة بين السكان وجنود الجيش للانخراط في قتال، حيث يعتبرونه صراعًا يدور بين قادة عسكريين، ما يشير إلى احتمال زيادة معدلات الهجرة حال حدوث تصعيد في القتال.
ومن هنا، من المرجح أن تؤدي محاولات طرفي الصراع للاستيلاء على الأراضي إلى اشتداد القتال، وهو ما يعني تزايد المخاطر على الأفراد والأصول الاستراتيجية في الخرطوم وفي جميع أنحاء البلاد. وما يزيد الأمر خطورةً أن "البرهان" هدّد في الـ30 من أيار/ مايو الماضي وللمرة الأولى منذ بدء الصراع باللجوء إلى "القوة المميتة الكاملة (9D)"، ما يشير إلى استعداده لزيادة وتيرة الهجمات على مواقع قوات الدعم السريع، أو استخدام القوة العشوائية التي ستؤثر حتمًا على المدنيين والأصول. وفي هذه الحالة سيكون توفير المساعدات الإنسانية والوصول إلى السلع الأساسية، مثل الغذاء والدواء وإمدادات الأدوية والوقود، أكثر صعوبة خصوصًا في ظل عدم وجود وقف جديد لإطلاق النار.
آي إتش إس ماركت
زار وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكين، السعودية في الفترة من السادس إلى الثامن من حزيران/ يونيو الماضي، لإجراء محادثات مع ولي العهد والحاكم الفعلي للبلاد، محمد بن سلمان، في محاولة لتحسين العلاقات الثنائية المتوترة بين البلدين. ومن المتوقع أن تتحسن العلاقات السعودية الأمريكية تدريجيًا، رغم أن المملكة ستحافظ على استراتيجيتها لتنويع التحالفات الدولية خلال السنوات القادمة.
وقد دارت المناقشات بشكل رئيسي حول تنسيق السياسة الخارجية الإقليمية، حيث تم تناول موضوعات مثل التطبيع المحتمل للعلاقات السعودية "الإسرائيلية"؛ فرغم أن المملكة فتحت مجالها الجوي أمام الرحلات الجوية من "إسرائيل" وضمنت حرية الملاحة "الإسرائيلية" في مضيق تيران منذ منتصف عام 2022، إلا أنه لا يُتوقع من الرياض تطبيع العلاقات مع "إسرائيل" خلال فترة الإدارة الأمريكية الحالية. كما تمت مناقشة تطورات الصراعات في كل من السودان واليمن، حيث أظهر الدور البارز للمملكة في الدبلوماسية وعمليات الإجلاء الإنسانية في السودان أنه لا غنى عنها لأهداف السياسة الخارجية الأمريكية، في حين تحسنت العلاقات الأمريكية السعودية بموازاة التقدم في اتفاقية السلام في اليمن. ومع ذلك، لا تزال الخلافات حول القضايا الإقليمية قائمة، لا سيما بشأن سوريا التي أعيد إدخالها مؤخرًا إلى جامعة الدول العربية عقب مبادرة بقيادة السعودية لرفع العزلة الإقليمية عنها، في تحدٍ واضح لسياسة أمريكية طويلة الأمد.
على جانب آخر، عزّزت المملكة مؤخرًا علاقاتها مع التجمعات متعددة الأطراف غير الغربية، مثل "بركس" و"منظمة شنغهاي للتعاون". إضافة إلى ذلك، فإن التقدم الدبلوماسي للصين في الشرق الأوسط، والذي جسدته وساطة الصين في المصالحة الإيرانية السعودية التاريخية مؤخرًا، قد أجبر الولايات المتحدة على إصلاح العلاقات مع السعودية.
والخلاصة، أن السياسة الخارجية للمملكة ستستمر في التركيز على العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، مع استمرارها في موازنة ذلك بعلاقات أعمق مع الصين وروسيا، في محاولة لتحقيق التوازن، وليس الاستبدال، في تحالفها الاستراتيجي والتاريخي مع الولايات المتحدة.
إيكونوميست إنتيليجنس يونيت
لا شك أن إتمام اتفاق نووي مؤقت بين الولايات المتحدة وإيران من شأنه أن يخفف من حدة التوترات الثنائية، لكن لا يزال من غير الواضح إن كان الطرفان سيتوصلان إلى مثل هذا الاتفاق أم لا، وحتى لو توصلا إليه فسيكون هشًّا للغاية وسيواجه تحديات في التنفيذ.
ورغم أن الصفقة قد لا تكون قريبة، إلا أن الولايات المتحدة تبدو أكثر استعدادًا للتفاوض بشأن اتفاقية مؤقتة، تمكّنها من الحفاظ على الوضع الراهن والحد من مخاطر التصعيد وأنشطة التخصيب الإيرانية. بالمقابل، فإذا تم تأكيد استعداد إيران للتفاوض على اتفاق مؤقت فسيكون ذلك تغييرًا جذريًا في السياسة، لكنه قد يعكس رغبة طهران في تحسين العلاقات مع السعودية والحصول على إعفاء مالي محدود قبل انتخابات عام 2024 بالولايات المتحدة. فقد استبعدت إيران في السابق اتفاقًا مؤقتًا حول صفقة أوسع، وقد يرجع ذلك إلى "خطة العمل الاستراتيجية الإيرانية لعام 2020" لرفع العقوبات، والتي تحدد متطلبات عودة إيران إلى الامتثال للاتفاق. ومن المحتمل أيضًا أن تكون طهران أدركت أن لها اليد العليا في المحادثات ولم تعد بحاجة إلى التفاوض مع الغرب؛ حيث أثبتت قدرتها على الصمود أمام ضغوط الولايات المتحدة. ومع ذلك، فمن المحتمل أن يكون تصور إيران للتكلفة والعائد قد تغير، لا سيما وأنها تقوم الآن بتطبيع علاقتها مع السعودية وتحاول تقديم نفسها كقوة استقرار في المنطقة.
ومن المحتمل أيضًا أن تكون إيران قلقة من أن تفرز انتخابات الرئاسة الأمريكية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 إدارة جمهورية، ستكون بالتأكيد أكثر تشددًا تجاهها. وبالتالي فمن وجهة نظر طهران، إن الصفقة المؤقتة التي تشمل بعض التسهيلات الثانوية، مثل السماح ببعض صادرات النفط، ستكون وسيلة لتأمين بعض الإعانات المالية والتحرك حول بعض أصولها المجمدة في أماكن مثل كوريا الجنوبية، قبل القدوم المحتمل لرئيس أمريكي جمهوري، من المؤكد أنه سينهي أي صفقة مع إيران تم توقيعها من قبل إدارة "بايدن" المنتهية ولايتها.
ستراتفور
لم يعد الشرق الأوسط منطقة نمو لتنظيم "داعش"؛ فالدعاية التي يطلقها التنظيم والمتوفرة بـ23 لغة تقتصر الآن على خطب روحية، وإن بقيت مقاطع الفيديو التي تصور ممارسة أعضاء التنظيم لذبح بعض الضحايا، إلا أنها أقل عددًا وأضعف حبكةً من ذي قبل. كما انخفضت حملات الإرهاب بشكل ملحوظ، فلم يعد التنظيم يستخدمها كاستراتيجية شاملة لكن كتكتيك مباشر في حالات خاصة.
بدورهما، تنفّذ كل من روسيا والولايات المتحدة، بدرجة أقوى، عمليات لمكافحة الإرهاب في البادية السورية للقضاء على العناصر الأساسية للتنظيم مثل مخطِّط العمليات، حذيفة اليماني، ومؤخرًا رئيس الاستخبارات والتجنيد، محمود الحاج. فهؤلاء الرجال، الذين يُفترض أن يكونوا ذوي خبرة في الحياة السرية، قد ارتكبوا أخطاء أمنية خطيرة سمحت بتتبعهم، فقُتل زعيم فرع "تنظيم الدولة الإسلامية" في العراق، أبو سارة العراقي، في شباط/ فبراير، ما يدل مرة أخرى على فشل أجهزتهم الأمنية في حماية قادتها.
في السياق ذاته، يخيّم على التنظيم شبح الانقسام؛ فالتوترات التي تم التقليل من شأنها خلال ذروة انتشار التنظيم تظهر على السطح الآن. وقد ظهرت هذه التوترات الهيكلية عندما انتخب الفرع السوري قيادته دون إبلاغ نظيره العراقي، فظهر الافتقار إلى الوحدة والأهداف المشتركة عندما رفض الفرع العراقي المشاركة في الهجوم على سجن الحسكة عام 2022. ووفقًا لناشط سابق انشق عن التنظيم، هناك "حاجة ملحة لإعادة تنظيم المنظمة"، وبالتالي لم يعد الشرق الأوسط منطقة نمو لـ"داعش".
كما تم تفكيك الخلايا التي كانت تحاول العمل في "إسرائيل"، وتراجع الفرع الليبي بقيادة "عبد السلام درك الله" إلى فزان جنوب غرب ليبيا في جبال أكاروس، فيما يقوم القائد بإرسال المقاتلين خلسةً إلى مناطق تهريب اللاجئين إلى مناطق نظام "شنغن" لتنفيذ عمليات في أوروبا، مستفيدًا من انشغال أجهزة الأمن الأوروبية جزئيًا بسبب حرب روسيا على أوكرانيا، لكن لا يوجد ما يدل على أن أهداف "درك الله" ستحقق أي نجاح.
بناءً عل ما سبق، فإن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو أن يقلل "تنظيم الدولة الإسلامية" من جهوده العسكرية، حيث يتتبعه كل من نظام دمشق والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبدرجة أقل روسيا وإيران. كما سيسعى التنظيم لإبقاء مستوى الصراع منخفضًا بما يكفي للبقاء مع تجنب قنابل التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، وفي الوقت نفسه ينشط في أماكن أخرى في أفريقيا وآسيا الوسطى وحتى الهند.
جيوبوليتيكال إنتيليجنس سيرفس
قام الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، بزيارة إلى روسيا في الفترة من 13-16 حزيران/ يونيو الماضي والتقى نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في رحلة تهدف إلى تعميق العلاقات التي ستبقى على الأرجح قوية خلال السنوات المقبلة، رغم انتقادات الولايات المتحدة بسبب حرب أوكرانيا. ورغم ذلك أيضًا، سيستمر الغرب في التعاون مع الجزائر كمورّد استراتيجي للغاز إلى أوروبا التي لا تزال تحاول إقناع الأولى بخفض علاقاتها مع روسيا.
ومع ذلك يُتوقع من الدول الغربية، خصوصًا الولايات المتحدة، أن تواصل الضغط على الجزائر لتقليص علاقاتها مع موسكو، من خلال التهديد بفرض عقوبات. وفي هذا الإطار، تنازلت الجزائر عن بعض مصالحها بالتراجع عن عقد دفاعي كبير محتمل طويل الأجل مع روسيا بقيمة 11 مليار دولار، لشراء معدات عسكرية جديدة أواخر عام 2022. وفي كانون الأول/ ديسمبر انتقد "تبون" وجود مجموعة "فاغنر"، الشركة العسكرية الروسية الخاصة، في مالي.
إن الجزائر في موقع قوي يمكّنها من لعب دور أكثر بروزًا في الدبلوماسية الإقليمية والدولية؛ فسوف تشغل مقعدًا غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في الفترة من 2024-2026، وقد تقدمت مؤخرًا بطلب للانضمام إلى مجموعة دول "برِكس"، التي يمكن أن تثبت أنها مصدر محتمل للتمويل الأجنبي. وستستمر الجزائر في تصوير العلاقات مع روسيا على أنها جزء من سياستها الخارجية التقليدية القائمة على عدم الانحياز، رغم أنها تنازلت عن بعض مصالحها للولايات المتحدة من خلال تأجيل اتفاقية دفاع جديدة لتجنب رد فعل غربي عنيف، لذلك ستحافظ الجزائر على علاقة متوازنة بين كل من الغرب وروسيا.
إيكونوميست إنتيليجنس يونيت