الحدث
أجرى قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني، زيارة علنية نادرة للعاصمة العراقية بغداد، حيث التقى بمسؤولين حكوميين من بينهم قاسم الأعرجي مستشار الأمن القومي العراقي لبحث تنفيذ الاتفاق الأمني الموقع بين بغداد وطهران عام 2023، والذي يهدف إلى تأمين الحدود المشتركة ومنع استخدام الأراضي العراقية لشن هجمات ضد إيران، كما اجتمع قاآني مع قادة فصائل عراقية شيعية مسلحة.
الرأي
تزامنت زيارة قاآني مع انعقاد القمة العربية في بغداد، وتبلور لحظة إقليمية حرجة تشهد تصاعد التوترات بفعل الحرب في غزة والتطورات في لبنان وسوريا، وتزايد التحديات أمام النفوذ الإيراني في العراق، فضلا عن تواصل المفاوضات مع واشنطن بخصوص الملف النووي. وبالتالي سيحرص قاآني على تنسيق المواقف بين طهران وبغداد تجاه تلك القضايا.
لقد أدى تراجع مشاركة حلفاء طهران في العراق ولبنان بحرب غزة إلى تقويض صورة محور المقاومة كجبهة موحدة، فيما يحاول محمد شياع السوداني رئيس الوزراء العراقي الموازنة بين الضغوط الأمريكية للابتعاد عن طهران، وبين حاجته إلى دعم قوى الإطار التنسيقي التي تمثل امتدادًا للنفوذ الإيراني، وهي تطورات تحظى باهتمام طهران. فالعراق ليس مجرد جار لإيران، بل يمثل امتدادا لأمنها الداخلي، وساحة للنفوذ السياسي والمذهبي تحرص طهران على أن تكون صديقة أو غير معادية على الأقل، وبالتالي فأي تهديد لتوازن القوى داخل العراق يُعد تهديدًا للأمن القومي الإيراني.
وعليه، يرجح أن يكون هدف زيارة قاآني هو احتواء حالة الانقسامات بين الفصائل الشيعية مع تزايد الدعوات إلى دمج الحشد ضمن الجيش العراقي فضلا عن اقتراب موعد الانتخابات النيابية والحديث عن ترشح عدة قوائم شيعية. كذلك ستحرص طهران على طمأنة الفصائل العراقية التي قد ترى أن العلاقة مع إيران باتت مكلفة، كما ستشدد على ضرورة التنسيق معها وتجنب أي سلوكيات منفردة تؤثر على المفاوضات الجارية بين إيران والولايات المتحدة.
من جانب آخر، ترسل زيارة قاآني رسائل إلى واشنطن والخليج، بأن طهران ما زالت تمسك بخيوط اللعبة في بغداد، وأن الحديث عن ملء دول أخرى للفراغ الناتج عن تراجع الحضور الإيراني بالمنطقة، لازال مبكرا. وأن أي محاولات لتقديم بدائل اقتصادية وسياسية خليجية أو تركية لتأسيس نفوذ موازن لإيران في العراق سيجابه بتحركات مضادة لتمتين جبهة الكيانات الموالية لطهران.
تأتي زيارة إسماعيل قآني العلنية إلى بغداد ضمن عملية إعادة تموضع قسرية في لحظة انكشاف إقليمي تسعى خلالها طهران إلى إعادة ضبط أدواتها في العراق. ولكن مع تشابك العوامل المحلية والإقليمية، فإن قدرة قاآني على إدارة هذا التوازن تبقى محل شك، فضلا عن أن تطورات ملف التفاوض مع إدارة ترامب التي يُتوقع أن تلقي بثقلها على نفوذ إيران الإقليمي، وبالأخص في العراق الذي تملك فيه واشنطن العديد من الأدوات العسكرية والأمنية والاقتصادية.