استبعاد ترامب تل أبيب من زيارته إلى الخليج يثير قلق إسرائيل...

الساعة : 12:41
16 مايو 2025

المصدر: موقع بزنس ريكوردر - باكستان

ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات

عندما عاد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض عام 2025، استعد العالم لصدمات رئاسته المعتادة؛ من تقلباته السياسية الشهيرة إلى خطاباته الشخصية غير المتوقعة، ولم يتمكن إلا قليلون من التنبؤ بخطوته التالية. لكن من بين المفاجآت العديدة لرئاسته الجديدة، والتي ربما كانت الأكثر إثارة للصدمة، هو استعداده الواضح لتجاهل "إسرائيل"، وتحديدًا "نتنياهو"، بطريقة تقلب عقودًا من السوابق الدبلوماسية.

فقد أثارت زيارة "ترامب" الأخيرة إلى الخليج جدلًا حقيقيًا؛ فبينما تضمن برنامج رحلته زيارة كل من السعودية وقطر والإمارات، كانت "إسرائيل" غائبة بشكل ملحوظ. والجميع يعلم أن استبعاد الدولة اليهودية من هذه الجولة الدبلوماسية المهمة يتضمن إشارة إلى أن أولويات "ترامب" في الشرق الأوسط قد تتغير. فطالما كانت "إسرائيل" لاعبًا محوريًا في السياسة الخارجية الأمريكية، خصوصًا في فترة ولاية "ترامب" الأولى؛ حيث تم الاحتفاء به لدعمه الثابت لحكومة "نتنياهو" وسياساته. ومع ذلك، فإن هذا التطور الأخير (تجاهل "ترامب" الواضح لمكانة "إسرائيل" في الشؤون الخارجية الأمريكية)، يثير تساؤلاتٍ مهمة حول مستقبل العلاقات الأمريكية "الإسرائيلية" ورؤيته الأوسع للشرق الأوسط.

ووفقًا للصحافة الدولية، فإن المسؤولين "الإسرائيليين" ليسوا في حيرة فحسب، بل قلقون أيضًا من هذا التجاهل الدبلوماسي؛ فالقلق داخل الحكومة "الإسرائيلية" واضح، مع ظهور تقارير تفيد بأن المسؤولين يتساءلون بالفعل عما يعنيه ذلك لمستقبل العلاقات الأمريكية "الإسرائيلية".

كما إن هذا التحول في السياسة يزيد من لفت الانتباه عند النظر إليه على خلفية قرارات "ترامب" السابقة في السياسة الخارجية؛ فربما اعتبر كثيرون خطابه "أمريكا أولًا" مزعزعًا للاستقرار، لكنه تضمن أيضًا تدخلات مباشرة في الشرق الأوسط تصبّ في مصلحة "إسرائيل" بشكل كبير. واعتبر كثيرون قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، ودعمه الثابت لـ"نتنياهو" خلال فترة ولايته الأولى المثيرة للجدل، دليلًا واضحًا على التزامه بمصالح "إسرائيل"، لكن استعداده لاستبعاد "إسرائيل" من دائرة سياسته الخارجية قد يوحي بأنه يرى دول الخليج أكثر أهمية استراتيجية من حليفه التقليدي.

على الجانب الآخر وبالنسبة لـ"إسرائيل"، فإن الأمر لا يتعلق فقط بإضاعة فرصة دبلوماسية، بل هو إشارة لإعادة ترتيبات جيوسياسية أوسع نطاقًا. ففي الماضي، بذل رؤساء الولايات المتحدة جهودًا كبيرة لضمان أمن "إسرائيل" دبلوماسيًا وعسكريًا، لكن نهج "ترامب" تجاه دول الخليج، والذي أبرزته حزمة اقتصادية ودفاعية ضخمة بمليارات الدولارات مع السعودية، يشير إلى استراتيجية جديدة يتم فيها تعزيز القوى الإقليمية على حساب مصالح "إسرائيل". إن احتضان "ترامب" للمملكة، التي تُعد بالفعل موطنًا لأحد أكبر أسواق الدفاع في العالم، إلى جانب توقيع اتفاقيات لتعزيز استثمارات الذكاء الاصطناعي والأمن في المنطقة، يشير إلى أنه قد يُنظر الآن إلى الخليج على أنه مفتاح تأمين المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.

ولا يتعلق هذا التحول بحسابات اقتصادية أو عسكرية فحسب، بل هناك عنصر سياسي مؤثر كذلك؛ فمن خلال تهميش "إسرائيل"، قد يشير "ترامب" إلى أنه لم يعد مستعدًا للانغماس في أجندات "نتنياهو" المحلية والدولية. فعلى مدى سنوات، استخدم "نتنياهو" علاقته الوثيقة بـ"ترامب" كورقة ضغط على الساحة العالمية، لكن بهذه الخطوة الأخيرة، يبدو أن "ترامب" يحاول وضع حد لهذا التوجه. فربما كانت العلاقة مفيدة للطرفين في الماضي، لكن من الواضح الآن أن "ترامب" يرى قيمة أكبر في تعزيز العلاقات مع دول الخليج.

إن تداعيات ذلك على العلاقات الأمريكية "الإسرائيلية" كبيرة؛ فحكومة "نتنياهو"، التي تعاني بالفعل من ضغوط جراء الاحتجاجات المحلية والانتقادات الدولية، ستجد نفسها الآن مع عدد أقل من الحلفاء على الساحة العالمية. وبالنسبة لـ"ترامب"، فإن إعادة ضبط أولويات الولايات المتحدة قد تعني تبنّي استراتيجية أكثر مرونة في الشرق الأوسط؛ استراتيجية تُبنى فيها التحالفات على أساس البراغماتية بدلًا من الالتزامات الأيديولوجية الراسخة.

علاوةً على ذلك، فإن المشهد الأوسع في الشرق الأوسط يتغير بشكل متسارع؛ فتوجه "ترامب" نحو دول الخليج هو محاولة لتعزيز العلاقات مع القوى الإقليمية التي تزداد حزمًا. فخطط المملكة للاستثمار بكثافة في الذكاء الاصطناعي والدفاع، إلى جانب الدور المتنامي لشركات التكنولوجيا مثل "إنفيديا" و"أمازون" في المنطقة، تشير إلى بوادر تشكيل شرق أوسط جديد؛ لا يقل فيه النفوذ الاقتصادي والتكنولوجي أهمية عن القوة العسكرية. ومن المرجح أن تلعب "إسرائيل"، بقطاعها التكنولوجي القوي، دورًا في هذا النظام الجديد، لكنها على الأرجح لن تكون بعد الآن محور السياسة الأمريكية في المنطقة.