الحدث
أصدرت المفوضية الأوروبية في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025 تقريرها السنوي عن تركيا، وهو أول تقرير يُنشر بعد تبدّل أولويات الأمن الأوروبي في عهد إدارة ترامب الثانية. ويقدّم التقرير صورة مزدوجة تجمع بين الاعتراف بدور أنقرة الإقليمي المحوري وبين انتقاد حاد لمسارها الداخلي. فبينما يؤكد أن تركيا تظل شريكًا استراتيجيًا لا غنى عنه في ملفات الطاقة والهجرة والأمن الإقليمي، ويشيد بنشاطها الخارجي في سوريا وأوكرانيا وغزة، فإنه يسجّل تراجعًا واسعًا في معايير الديمقراطية وحكم القانون واستقلال القضاء، معتبرًا أن البلاد تشهد انتكاسة ممنهجة في الحريات والحقوق الأساسية. كما يربط أي تحسن في علاقات تركيا مع الاتحاد بالتزامها تجاه قبرص ومواءمتها مع السياسة الخارجية والأمنية المشتركة للاتحاد، مشيرًا إلى استمرار خلافها حول العقوبات على روسيا وتعاملها مع حركة حماس. ويخلص إلى أن مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد لا تزال مجمّدة منذ 2018، رغم تسجيل أداء اقتصادي مستقر نسبيًا وتقدّم في مشاريع الطاقة والنقل.
الرأي
لا يغيّر التقرير طبيعة العلاقات بين أنقرة وبروكسل، فهو يشير إلى أن تركيا ليست مرشحة فعلية للانضمام للاتحاد، لكنها ليست خارجة عن المدار الأوروبي، فهي جار استراتيجي يمكن للاتحاد التعاون معه في قضايا محددة، من دون أن يفتح له باب العضوية.
والملاحظة الجوهرية في التقرير هي أن تزايد أهمية الشراكة الأمنية والدفاعية مع أنقرة قد انعكست على اللغة المستخدمة، حيث خفتت لغة التهديد بعقوبات بعد أن كانت سمة تقارير السنوات الماضية، وحلّ محلها أسلوب أكثر تحفظا. فالاتحاد الذي بات مشغولًا بتمويل دفاعه وزيادة إنفاقه العسكري بعد تقلب مواقف واشنطن تجاه أوروبا، لم يعد يملك ترف التصعيد مع أنقرة. لذلك فإن التقرير وإن كان حاداً لغويًا في بعض الجوانب، إلا أنه عمليًا لم يقترح أي خطوة عقابية، بل يعيد التأكيد على أهمية إعادة الانخراط التدريجي مع تركيا.
ويضفي توقيت صدور التقرير، بعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض والتهديد بتقليص التزامات بلاده تجاه حلف الناتو، بعدًا استراتيجيًا. فالاتحاد الأوروبي يسعى إلى إعادة تعريف حدوده الأمنية والسياسية في جوار مضطرب، ويُدرك أن تركيا، رغم خلافاته معها، تظل ممرًا إجباريًا للطاقة والهجرة فضلاً عن كونها قوة عسكرية فاعلة في الشرق الأوسط والبحر الأسود وجنوب القوقاز.
ولذلك؛ من غير المرجح أن يعطل هذا التقييم خطط الاتحاد لتطوير ترتيبات الأمن الدفاعي الأوروبية بالشراكة مع تركيا، ولا خطط إدماج قطاع الصناعات الدفاعية التركية المتسارع في النمو في هيكل التصنيع العسكري الأوروبي الذي يسعى الاتحاد لتوسيعه لتلبية متطلبات الأمن الأوروبي المشترك في مواجهة التهديد الروسي.