منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، برزت تركيا كأحد اللاعبين الرئيسيين في الصراع، وهذه ليست مفاجأة؛ فأنقرة قوة رائدة في البحر الأسود وتسيطر على المضائق التي تربطها بالبحر المتوسط. وعلى مدى العقود الماضية، طورت تركيا علاقات مكثفة ومعقدة مع روسيا، وإن كانت العلاقة غير متكافئة؛ وفي الوقت نفسه، اقتربت أنقرة بشكل متزايد من كييف، فيما يُنظر إلى تعاونها الدفاعي والسياسي القوي على أنه وسيلة لاحتواء النفوذ الروسي في منطقة البحر الأسود.
رغم ذلك، وعلى عكس دول مثل الهند أو جنوب أفريقيا، فإن اندماج تركيا مع الكيانات السياسية والاقتصادية والأمنية الغربية أعمق بكثير، وهو ما يجعل الضغط الغربي على أنقرة أقوى وربما أكثر فعالية؛ فعلى سبيل المثال، رضخت البنوك التركية لضغوط الولايات المتحدة في أيلول/ سبتمبر الماضي، وتوقفت عن العمل مع نظام الدفع الروسي "مير". ووفقًا لمحلل مالي، فإن التهديد بالاستهداف بالعقوبات الثانوية وحدها، مثل حظر استخدام الدولار الأمريكي، قد يكون له عواقب وخيمة على البنوك التركية التي تعتمد على اقتراض الدولار من مقرضين دوليين.
من جهة أخرى، فإن زلزال شباط/ فبراير الذي أسفر عن أكثر من 40 ألف ضحية جنوب شرق تركيا وشمال سوريا، يمكن أن يعرّض بقاء نظام "أردوغان" للخطر. وإن كان من السابق لأوانه التنبؤ بالعواقب السياسية لهذه المأساة، إلا أن المطّلع على السياسة التركية سيتذكر تداعيات زلزال إزميت عام 1999، والأزمة الاقتصادية عام 2001 على النخب السياسية الحاكمة حينئذٍ التي تم التصويت ضدها عام 2002. ومع الضغط الغربي بتصعيد تطبيق العقوبات، ووسط احتمال هشاشة النظام التركي الذي اعتمد على المساعدة الدولية بعد الزلزال، خصوصًا الغربية، فإن استمرار موقف تركيا المحايد بشأن أوكرانيا غير مؤكد.
إن المخاطرة عالية بالنسبة لأنقرة، وهو ما يفسر تعاطيها مع طرفي الصراع؛ فبينما تدين الغزو الروسي وتُظهر التضامن مع أوكرانيا، إلا أنها حافظت على موقف محايد يسمح لها بجني بعض الفوائد من هذا الوضع، لكن يبدو أن هذا الموقف لن يستمر طويلًا.
آي إس ﭘي آي