بذل القادة الأوروبيون جهودًا كبيرة لتعزيز مكانتهم في الخليج منذ عام 2021، لكن لتحقيق أقصى استفادة من هذه الجهود لا بد أن يدركوا تمامًا تلك التحولات الجيوسياسية التي حدثت في الخليج خلال الأشهر القليلة الماضية. وأحد هذه العوامل هو "عودة" السعودية قائدةً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فضلًا عن ابتعادها عن التقلبات التي شهدتها الفترة من 2015-2018. كما ينبغي على الأوروبيين التجاوب مع عزم الرياض الواضح على أن تصبح أول منفذ اتصال في المنطقة، للقادة الذين يرغبون في مناقشة الجغرافيا السياسية والاقتصادية.
في الواقع، ورغم الاختلافات في الوزن الجيوسياسي، فإن الإمارات هي اللاعب الوحيد الآن في المنطقة الذي لديه القدرة الاستراتيجية على التنافس مع السعودية، وربما يكون هذا هو السبب في الاضطرابات التي تعتري أحيانًا العلاقة الطويلة بين زعيمي الدولتين، بن سلمان وبن زايد، الذيْن يبدو أنهما في أقل مستوى الآن من التواصل والتنسيق، على خلاف السنوات القليلة الماضية.
لقد أدت "رؤية 2030" إلى تغييرات شاملة في المجتمع السعودي؛ حيث أصبحت البلاد أكثر ليبرالية على الجانبين الاقتصادي والاجتماعي، حتى أصبحت تُعرف الآن بأنها المركز الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد كان قرار صندوق الاستثمارات العامة السعودي عام 2022، بإنشاء ست قنوات تمويل يتم من خلالها توجيه 24 مليار دولار إلى كل من مصر وعُمان والعراق والأردن والسودان والبحرين، من أوضح المؤشرات على استراتيجية الرياض لتوسيع قوتها الناعمة في هذه الدول وخارجها. كما إن القادة السعوديين عازمون على محاربة الفساد وتحصيل عائد على استثماراتهم، من خلال ربط الأموال بالإصلاحات التي يقرها صندوق النقد الدولي، وهو ما يعني أن المقاربات السعودية والأوروبية للاستثمارات الإقليمية أصبحت الآن أكثر اتساقًا. وبالتالي، ينبغي على الأوروبيين أن يظلوا يقظين بشأن المدى الذي ستدفع به الرياض مصلحتها الذاتية السياسية الضيقة كجزء من شروط المساعدة.
رغم كل ذلك، لا يزال التهديد الأكبر للطموحات السعودية هو التصعيد المحتمل مع إيران، بينما يشير الحديث المتداول في الرياض إلى أن القادة السعوديين سيستميتون في الحفاظ على المسار الدبلوماسي مع طهران؛ أي الاستراتيجية المزدوجة للاحتواء من خلال الضغط الأقصى لعقوبات جديدة والمشاركة من خلال محادثات خفض التصعيد. وقد ترد إيران على تلك الضغوط بهجمات مماثلة لتلك التي حدثت عام 2019، لكن ليس من الواضح إذا كانت قنوات الاتصال الخلفية بين البلدين، أو القدرات الدفاعية السعودية المعززة حديثًا يمكن أن تمنع ذلك، لكن مع هذا لا تزال الرياض ترى أن التوصل لاتفاق شامل مع إيران يمثل نهاية لعبتها. في المحصلة، فإن نهج الاحتواء وخفض التصعيد يمثل تحولًا كبيرًا في الاستراتيجية الإقليمية للمملكة، ويستند إلى اعتقاد قادتها أنه لم يعد بإمكانهم الاعتماد على الولايات المتحدة لدعمهم.
يوروبيان كاونسل أون فورين ريليشنز