إن اعتماد مصر على دول مجلس التعاون الخليجي للحصول على دعمها المالي على الأغلب سيقيد سياستها الخارجية؛ ففي حين سيوفر صندوق النقد الدولي لمصر حوالي أربعة مليارات دولار في شكل تمويل مباشر، سيأتي حوالي 14 مليار دولار من دول الخليج في شكل قروض واستثمارات ثنائية ومتعددة الأطراف، حيث من المفترض أن يساعد ذلك في تخفيف الضغط على الجنيه المصري، الذي كان أحد أسوأ العملات أداءً خلال عام 2022 واستمر في الانخفاض حتى بداية عام 2023. لكن اعتماد مصر على الدعم الخارجي ستكون له عواقب وخيمة؛ فإذا كان الدعم المالي من صندوق النقد الدولي سيتطلب من مصر تنفيذ إجراءات مالية مؤلمة، فإن تمويل دول الخليج سيتطلب سحب الاستثمارات من الأصول المملوكة للدولة والجيش، ويفرض قيودًا كبيرة على السياسة الخارجية للبلاد.
فعلى الصعيد السياسي الإقليمي، من المرجح أن اعتماد مصر على رأس المال الخليجي سيدفعها لخفض التوترات مع تركيا، وتقليص مشاركتها في كل من ليبيا وتونس؛ حيث ستضغط دول مجلس التعاون على القاهرة لتحسين علاقاتها مع أنقرة التي ظلت أكثر من عشر سنوات في حالة توتر. وعلى مدار العامين الماضيين، قامت كل من الإمارات والسعودية بإصلاح العلاقات مع تركيا، تماشيًا مع اتجاه المصالحة الإقليمية، بينما تتمتع قطر، التي شهدت أيضًا تحسنًا في علاقاتها مع مصر جزئيًا بسبب حاجة القاهرة للتمويل، بعلاقات قوية مع أنقرة.
فمن وجهة نظر أبو ظبي والرياض، سيسمح خفض التوترات في المنطقة بشكل عام بجني الفوائد الاقتصادية والتجارية؛ حيث ستتحسن مشاعر المستثمرين تجاه المنطقة وتقل المخاطر المرتبطة بالاستثمار والعمل في مصر. على هذا النحو، وبينما ستستمر مصر في اعتبار سياسة تركيا الخارجية معادية لها، خاصةً شرق المتوسط، من المرجح أن تمارس دول الخليج بعض الضغوط على القاهرة للتوصل إلى نوع من الترتيبات التصالحية مع أنقرة، وهو ما قد يدفع مصر لنزع فتيل التوترات مع تركيا.
ومن المرجح أيضًا أن الضغط الذي ستمارسه دول الخليج، إلى جانب تحسين العلاقات مع تركيا، سيحدّان من انخراط مصر في ملفي ليبيا وتونس. كما يُتوقع أن يدفع ذلك مصر إلى تبني لهجة أكثر تصالحية تجاه فصائل غرب ليبيا. وفي تونس، يُعتقد أن قطر ستحثّ مصر على تقليص معارضتها السياسية لـ"حركة النهضة الإسلامية"، وهو ما قد يؤدي إلى تغطية إعلامية أقل سلبية للحركة، فضلًا عن انخفاض الدعم الاستخباراتي للرئيس "قيس سعيد".
فيتش سوليوشنز