أجرى الجنرال الأمريكي الذي تولى رئاسة قوات "أفريكوم" في حزيران/ يونيو الماضي، مايكل لانجلي، أول جولة له في شمال أفريقيا في الـ20 من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، دون التوقف في أي من الجزائر أو القاهرة؛ حيث كان هدفه الرئيسي تهدئة الرباط وتونس، وهما اثنان من الحلفاء التقليديين لواشنطن في المنطقة. ففي المغرب، حيث ينظم الجيش الأمريكي التدريبات العسكرية السنوية للأسد الأفريقي، التقى "لانجلي" مع المفتش العام للقوات المسلحة الملكية، بلخير الفاروق، إذ تعمل واشنطن الآن على إضعاف العلاقات المصرفية بين كل من كل من المغرب وروسيا، التي أقامت الرباط معها علاقات في السنوات الأخيرة.
وثمة موضوع آخر جرت دراسته باهتمام من قبل الولايات المتحدة، وهو "منتدى التعاون الروسي العربي"؛ فقد كان من المقرر مبدئيًا عقده في مراكش في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، لكن تم إلغاؤه مرتين ويمكن عقده أخيرًا في القاهرة. وإن حدث هذا التغيير فسيكون نتيجة إحجام المغرب عن استضافة الحدث خلال الحرب في أوكرانيا؛ إذ إن الرباط، التي أبدت حيادًا نسبيًا في الصراع الروسي الأوكراني منذ شباط/ فبراير من خلال الامتناع عن إدانة الهجوم الروسي في الأمم المتحدة، كانت تنتظر أيضًا منذ عدة أشهر تغير الموقف الروسي بشأن قضية الصحراء الغربية، لكن لا يبدو أن موسكو مستعدة لإغضاب حليفها الجزائري.
أما في تونس، فتشهد العلاقات السياسية بين تونس وواشنطن توترًا كبيرًا؛ فلم تتعاطف الولايات المتحدة مع مناورات الرئيس التونسي، قيس سعيد، كما نظرت إدارة "بايدن" في خفض المساعدات العسكرية السنوية لتونس إلى النصف، والتي تبلغ حوالي 120 مليون دولار. وفي الدوائر العسكرية في واشنطن، يخشى البعض من تنامي نفوذ روسيا والصين أيضًا؛ فقبل بضعة أشهر من مغادرته في آذار/ مارس 2022، حذّر سلف "لانجلي" في قيادة "أفريكوم"، ستيفن تاونسند، من أن "حالة عدم اليقين الاقتصادي والديمقراطي في تونس تجعلها عرضة للنفوذ الصيني، ما يهدد الأهمية الاستراتيجية لتونس كحليف رئيسي للولايات المتحدة من خارج "الناتو". وكان الجنرال الأمريكي قلقًا بشأن الاتفاقيات الفنية والمالية التي وقعتها تونس وبكين، والطموحات الصينية في تونس خاصةً في تطوير الموانئ.
لكن يظل اللافت في جولة "لانجلي" الأولى في شمال أفريقيا أنه لم يذهب إلى الجزائر أو مصر؛ فعلى المستوى الداخلي يُعزى تخطي الجزائر إلى تحديد المواجهات، فرغم عدم تحديد موعد جديد، إلا أن الجنرال يأمل في الذهاب إلى هناك قريبًا، حيث تريد واشنطن الاستفادة من عزلة موسكو المتزايدة على الساحة الدولية للاقتراب قليلًا من الجزائر. وفي هذا الإطار وفي بداية عام 2022، حاولت وكالات الاستخبارات الأمريكية بالفعل إقناع الجزائر بإغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات العسكرية الروسية التابعة لمجموعة "فاغنر" في مالي. لكن إعادة العلاقات المحتملة بين الجزائر وموسكو لا تزال غير مرجحة.
وكذلك الأمر مع مصر، الحليف التاريخي لواشنطن في المنطقة، تعتبر العلاقات متوترة أيضًا؛ حيث تتابع المخابرات العسكرية الأمريكية بقلق سفر مجموعة صغيرة من الطيارين المصريين إلى روسيا بداية العام، للتدرّب على التعامل مع مقاتلة "Su-35" متعددة الأدوار، حيث أحيت مهمة التدريب هذه شكوك "البنتاغون" بشأن طموح الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ورئيس أركانه، أسامة عسكر، في شراء أكثر من 20 طائرة من طراز "Su-35". إن توقيع هذا العقد عام 2018، والذي كشفت عنه صحيفة "كوميرسانت" ولم يؤكده أو ينفه أي من الطرفين رسميًا، تسبب في "شد الحبل" بين مصر والولايات المتحدة. ومنذ ذلك الحين، أثارت هذه القضية حفيظة كبار الضباط العسكريين الأمريكيين؛ ففي نهاية الشتاء الماضي، توجه القائد السابق للقيادة المركزية الأمريكية "CENTCOM"، كينيث ماكنزي، إلى القاهرة لتحذير الضباط المصريين من توقيع مثل هذا العقد مع روسيا.
أفريكا إنتيليجنس