يعاني العالم الآن من أزمات اقتصادية ومن ارتفاع للأسعار بمعدل مماثل لعام 2010، ما أدى لارتفاع مخاطر الاضطرابات المدنية في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والعالم بشكل عام. ورغم ذلك، لا يُرجح أن تترجم مخاطر الاضطرابات المدنية المتزايدة إلى ربيع عربي آخر؛ فالحكومات تراقب حالة السخط بقبضة من القمع الشديد من جهة وبدعم مالي من خلال التحويلات النقدية الخليجية من جهة أخرى.
وفي إصدار أخير من "مؤشر الاضطرابات المدنية" (CUI)، والذي تغطي توقعاته خمس دول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تم تصنيف ثلاثة من هذه البلدان هي: تونس وتركيا وإيران، على أنها شديدة الخطورة، بينما تم تصنيف مصر على أنها عالية والسعودية متوسطة المخاطر، لكن يظل مُستعبدًا جدًا احتمال الإطاحة بأيٍّ من زعماء هذه البلدان الخمسة. والسبب الرئيسي لذلك هو الإجراءات القمعية المتزايدة التي تتخذها الحكومات في جميع أنحاء المنطقة، والتي لا تترك أي مساحة للاحتجاج العام أو العصيان المدني. فقد تم تصنيف جميع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا العشرين إما أنها عالية أو شديدة الخطورة، في الإصدار الأخير من "مؤشر حرية التجمع" الذي يتتبع قمع الاحتجاجات والاجتماعات والتجمعات الدينية، من قبل الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية.
ومع ذلك، فإن خطر الإطاحة بالزعيم التونسي يجب ألا يكون مفاجئًا؛ فخيارات "سعيد" لإنعاش الاقتصاد التونسي المحتضر محدودة، ومن المرجح أن تتطلب خطة الإنقاذ المالية من صندوق النقد الدولي قرارات غير شعبية، بما في ذلك تخفيض التوظيف في القطاع العام، والذي من شأنه أن يثير صراعًا مع الاتحاد النقابي القوي في تونس، الاتحاد العام للشغل.
من جهة أخرى، وفي حين أن بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تعتمد على واردات الغذاء والطاقة، مثل تونس ومصر وتركيا، تكافح من أجل تغطية نفقاتها، فإن مصدّري الطاقة في الخليج العربي يتمتعون بمكاسب نقدية غير متوقعة. وحكام الخليج على استعداد لتوظيف هذه الأموال لدعم الأنظمة في أماكن أخرى، لتصدير الاستقرار السياسي الذي يغذيه "البترودولار"، حيث أودعت السعودية، على سبيل المثال، خمسة مليارات دولار في البنك المركزي المصري في آذار/ مارس 2022.
كذلك، فهناك مصلحة ذاتية واضحة في هذه التحويلات النقدية؛ إذ يحرص ملوك الخليج، الذين يدركون مدى اضطراب مواطنيهم، على منع تكرار ما حدث عام 2011، عندما ألهمت الانتفاضات في تونس ومصر نسخًا أصغر حجمًا عبر المنطقة الغنية بالنفط. فأكثر ما يرغبه قادة الخليج هو تجنب تكرار الانتفاضة الجماهيرية في البحرين، والتي نمت لدرجة أن السعودية والإمارات أرسلتا قوات للمساعدة في دعم نظامها الملكي.
فيريسك مابيكروفت